الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز ال سعود رحمه الله

فهد بن عبد العزيز آل سعود هو الابن الثامن لعبد العزيز آل سعود, مؤسس الأسرة والمملكة العربية السعودية ، ولد في الرياض عام في 1923 ومن أم تنتمي إلى قبيلة السديري التي تتمتع بنفوذ كبير في المملكة واسمه بالكامل هو فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد وينتهي نسبهم إلى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة.

اعتبر والده هو موحد السعودية ومؤسسها فبعد أن دخل والده إلى الرياض بعد معركة أبدى فيها رجاله بطولة وشجاعة انطلق عبدالعزيز في مشوار طويل من الكفاح المتواصل حتى تم توحيد البلاد كلها فصدر المرسوم الملكي بتوحيد مقاطعات الدولة التي تحولت بمقتضى هذا المرسوم الى المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932 وهو التاريخ الذي أصبح في ما بعد اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية .

تلقى الملك فهد تعليمه الأول في مدرسة الأمراء بالرياض ثم درس في المعهد العلمي بمكة المكرمة بالإضافة إلى أنه تلقى تعليمه على يد العلماء والمشايخ وكانت هذه عادة الملك عبدالعزيز رحمه الله في تربية أبنائه وتنشئتهم تنشئة إسلامية صالحة .

بدأ الملك فهد في الأربعينيات من العمر في تلقي دروس خاصة باللغة الإنجليزية ودروس مكثفة في مواضيع متنوعة من السياسة إلى الأدب ، وقرأ بعناية الكتب المتعلقة بكبار القادة العالميين وكان شغوفاً بملازمة مجالس والده عبدالعزيز مؤسس المملكة فصقلت تلك المجالس والدروس والعلوم التي أخذها شخصيته وأثرت في تفكيره ورجاحة عقله فأصبح مهيئاً لتولي أعلى المناصب حتى انتدبه والده عبدالعزيز للإنابة عنه في بعض المهام وذلك عندما لمس فيه النضج المبكر والاستعداد الذي يؤهله لتمثيل المملكة ، كما ناب عن والده في لقاءات زعماء القبائل وحل مشكلاتهم ، فأكتسب بذلك خبرة كبيرة في معالجة شؤون البادية والقبائل .

وصوله إلى الحكم :
تولى الملك فهد رحمه الله عدة مناصب وزارية في حياته فقد تم تعيينه وزيرا للتعليم عام 1953، وبعد ذلك أصبح وزيرا للداخلية، ثم نائبا لرئيس الوزراء، ثم وليا للعهد في عام 1975 إثر اغتيال الملك فيصل، وتولي الملك خالد الحكم ولعب فهد وقتها دورا مؤثرا في السياسة السعودية حتى وفاة شقيقه.

تولى الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله الحكم في المملكة العربية السعودية في 18 يونيو/ حزيران عام 1982 خلفا لشقيقه خالد ليصبح خامس ملك للدولة والتي تأسست عام 1932 فبويع بالملك من الأسرة المالكة وأفراد الشعب السعودي في 13 يونيو 1982م إثر وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله .
بدأ الملك فهد فترة حكمه على السعودية وسط ظروف إقليمية ودولية مضطربة فبعد الثورة الإيرانية في إيران عام 1979 قامت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها كما أن المنطقة العربية كانت تعاني من تبعات المقاطعة مع جمهورية مصر العربية إثر اتفاق كامب ديفيد كما كانت المنطقة العربية تشهد الغزو الإسرائيلي والحرب الأهلية في لبنان.

المملكة العربية السعودية في عهده :
أصبحت المملكة العربية السعودية في عهده واحدة من أغنى دول العالم وذلك مع ذروة انتعاش أسعار النفط في السبعينات من القرن العشرين مما أتاح للسعودية استغلال أموال النفط في تطوير البلاد وفي مشاريع التنمية والعمران فشهد عهده تحقيق منجزات متميزة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، وإلى جانب رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لخطط التنمية الشاملة وإنشاء البنية الصناعية في المملكة والإنجازات الحضارية ، فقد حدثت في عهده أضخم توسعة تاريخية للحرمين الشريفين .

تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بصدور النظام الأساسي للحكم ، ونظام مجلس الشورى ، ونظام المناطق في الواحد والثلاثين من شهر يناير عام 1992م . وقد صيغت هذه الأنظمة الثلاثة على هدي من الشريعة الإسلامية معبرة عن مبادئ الدولة السعودية وتقاليد مجتمعها وأعرافه ويتصل المرسوم الأول بتحديد النظام الأساسي للحكم، باعتبار المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية يتوارث العرش فيها أبناء عبد العزيز آل سعود وبحيث تتم مبايعة الأصلح منهم للحكم.

إنجازات اقتصادية وزراعية وصناعية :
إضافة إلى كون السعودية تحتل المركز الاول في انتاج البترول واحتياطه والمركز الخامس في احتياطي الغاز الطبيعي والمركز العاشر في انتاج الغاز الطبيعي، نجحت المملكة في اكتشاف المزيد من البترول بعد الاكتشافات الجديدة الزيت الخام (الجيد) الخفيف بالحوطة والدلم في المنطقة الوسطى قرب الرياض والتي قامت بها شركة ارامكو السعودية الى اكثر من 255 الف برميل كما ارتفعت احتياطات المملكة من الغاز الطبيعي وبرزت المملكة كمنتج للبتروكيماويات واصبحت منتوجاتها البتروكيماوية تغزو اسواق العالم .
وصل معدل النمو في القطاع الصناعي عام 1409هـ الى 10،4% وبلغ عدد المصانع المنتجة في المملكة حتى نهاية عام 1408هـ 2138 مصنعا بلغ اجمالي تمويلها حوالي 95،6 مليار ريال يعمل بها اكثر من 41 الف عامل ، وتم اقامة مدينتين صناعيتين كبيرتين بالجبيل وينبع تضاهيان المدن الصناعية في العالم الى جانب المدن الصناعية القائمة في مختلف مناطق المملكة .
برزت المملكة كمنتج للقمح واحتلت المرتبة السادسة بين دول العالم المنتجة والمصدرة له وتم تصدير القمح السعودي الى اكثر من 40 دولة كما حققت المملكة الاكتفاء الذاتي من منتجات الالبان ومشتقاتها وبيض المائدة والدجاج واللاحم.
وصل معدل النموفي القطاع الزراعي عام 1409هـ الى 11،3% وبلغت المساحة المزروعة نحو ثلاثة ملايين هكتار وبلغ انتاج القمح 3،3 ملايين طن في حين احتلت المملكة المرتبة الاولى بين دول العالم في انتاج التمور حيث وصل انتاجها الى اكثر من 500الف طن سنويا.
بلغت صادرات المملكة من المنتوجات الزراعية والحيوانية عام 1408هـ 2،863،000 طن بلغت قيمتها الاجمالية 1،2مليار ريال.
احتلت المملكة المركز الاول بين دول العالم في مجال تحلية مياه البحر ووصل انتاجها الى اكثر من 500 مليون جالون من المياه العذبة يوميا من 27 محطة للتحلية.
حقق الناتج المحلي الاجمالي عدا النفط معدل نمو بلغت نسبته 4،6%عام 1989م مقابل 1،9% وحققت المملكة عام 1989م فائضا في الميزان التجاري للسلع المنظورة بلغت قيمته 24673 مليون ريال وانخفضت قيمة واردات المملكة عام 1989م بنسبة 17% او بما قيمته 2363 مليون ريال بينما زادت الصادرات الوطنية خلال عام 1989م بنسبة 17% او بما قيمته 14996 مليون ريال من العام الذي قبله.

مواقفه في الشرق الأوسط وجهاده مع القضية الفلسطينية :
عرف الملك فهد بعلاقته الطيبة المتسامحة مع كل الحكومات والقيادات العربية والإسلامية والعالمية إضافة إلى علاقاته المتينة بالمسؤولين الأميركيين والفرنسيين فكان رحمه الله يتمتع بمكانة وشخصية عظيمة على المستوى العالمي

التقى الملك فهد الرئيس الأمريكي كارتر سنة 1977، وفي سنة 1985 ناشد الولايات المتحدة بلعب دورها في تحقيق السلام في الشرق الأوسط كما لعب الملك فهد دورا بارزا في البحث عن حل سلمي للحرب الأهلية اللبنانية التي مهد اتفاق تم التوقيع عليه في مدينة الطائف لوضع حد لها وهذا بالإضافة إلى تبرعاته السخية ووقوفه الشجاع بجانب القضية الفلسطينية التي أعطاها من المال والجهد الكبير فقال : " قضيتنا الأولى - تحرير القدس - تنتظر منا الاعتصام بحبل الله جميعًا، كي يعود أبناء فلسطين إلى وطنهم مع حقهم في تقرير المصير ".

وكانت المملكة العربية السعودية قد قدمت مبادرة سلام عام 1981م وكان آنذاك الملك فهد ولياً للعهد لحل المشكلة الفلسطينية واستندت مبادرة المملكة على ثماني نقاط واضحة لمختلف جوانب القضية وهي:
1- انسحاب اسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م.
2- إزالة المستعمرات التي أقامتها اسرائيل في الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م.
3- ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4- تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد وتعويض من لا يرغب في العودة.
5- تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد على بضعة أشهر.
6- قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس.
7- تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام.
8- يقوم مجلس الأمن بتنفيذ تلك المبادىء.

وقد تبنت الدول العربية في مؤتمر القمة العربي الثاني عشر الذي عقد في مدينة فاس بالمغرب في 6 سبتمبر 1982م مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط، وأطلق عليه اسم: المشروع العربي للسلام.
ويؤكد ذلك المشروع الاهتمام السعودي بفلسطين قضية وأرضاً وشعباً ومقدسات، وضرورة الوصول إلى حل عادل يقوم على القرارات الدولية، ويحفظ الحقوق لأصحابها الشرعيين.
ومع انطلاق مشروع السلام في منطقة الشرق الأوسط في مدريد عام 1991 وقفت المملكة إلى جانب السلام كشريك أساسي حتى توجت تلك المحادثات باتفاقات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عام 1993م، وظلت المملكة تدعم كل مراحل العملية السلمية وتشد أزر المفاوض الفلسطيني والعربي وتدعمهما مادياً ومعنوياً لمواجهة أساليب المراوغة والمماطلة الإسرائيلية، وشكلت المملكة العربية السعودية بذلك ولا تزال العمق الاستراتيجي في التفاوض من أجل إقرار سلام شامل في المنطقة يقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام ووالانسحاب الإسرائيلي غير المشروط من الأراضي العربية المحتلة.
وفاته رحمه الله :
توفي في يوم الاثنين 26 جمادى الثانية 1426هـ الموافق 1 أغسطس 2005 في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وصلي عليه يوم الثلاثاء بعد صلاة العصر بجامع الإمام تركي بن عبد الله بوسط الرياض، ودفن بجوار والده واخوانه بمقابر العود، وبويع أخيه الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بالحكم